الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.مقدمة أبي حيان: قال الشيخ الإمام العالم العلامة البحر الفهامة المحقق المدقق حجة وقدوة النحاة والأدباء الأستاذ أبو عبد الله محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الأندلسي الجياني- رحمه الله تعالى- وأمتع بعلومه المسلمين آمين (الحمد لله) مبدئ صور المعارف الربانية في مرايا العقول ومبرزها من محال الأفكار إلى محال المقول وحارسها بالقوتين الذاكرة للمنقول والمفكرة للمعقول ومفيض الخير عليها من نتيجة مقدمات الوجود السائر روح قدسه في بطون التهائم وظهور النجود المبرز في الاتصالات الإلهية والمواهب الربانية على كل موجود محمد ذي المقام المحمود والحوض المورود المبتعث بالحق للأنام داعيًا وبالطريق الأنهج إلى دار الإسلام مناديًا الصادع بالحق الهادي للخلق المخصوص بالقرآن المبين والكتاب المستبين الذي هو أعظم المعجزات وأكبر الآيات البينات السائرة في الآفاق الباقي بقاء الأطواق في الأعناق الجديد على تقادم الأعصار اللذيد على توالي التكرار الباسق في الإعجاز إلى الذروة العليا الجامع المصالح الآخرة والدنيا الجالي بأنواره ظلم الإلحاد الحالي بجواهر معانيه طلى الأجياد صلى الله على من أنزل عليه وأهدى أرج تحية وأزكاها إليه وعلى آله المختصين بالزلفى لديه ورضي الله عن صحبه الذين نقلوا عنه كتاب الله أداء عرضا وتلقوه من فيه جينًا وغضًا وأدوه إلينا صريحًا مخصًا وبعد فإن المعارف جمة وهي كلها مهمة وأهمها ما به الحياة الأبدية والسعادة السرمدية وذلك علم كتاب الله هو المقصود بالذات وغيره من العلوم كالأدوات هو العروة الوثقى والوزر الأقوى الأوقى والحبل المتين والصراط المبين وما زال يختلج في ذكري ويعتلج في فكري أني إذا بلغت الأمد الذي يتغضد فيه الأديم ويتنغص برؤيتي النديم وهو العقد الذي يحل عرى الشباب المقول فيه إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب) ألوذ بجناب الرحمن وأقتصر على النظر في تفسير القرآن فأتاح الله لي قبل بلوغ ذلك العقد وبلغني ما كنت أروم من ذلك القصد وذلك بانتصابي مدرسًا في علم التفسير في قبة السلطان الملك المنصور قدس الله مرقده وبل بمزن الرحمة معهده وذلك في دولة ولده السلطان القاهر الملك الناصر الذي رد الله به الحق إلى أهله وأسبغ على العالم وارف ظله واستنقذ به الملك من غصابه وأقره في منيف محله وشريف نصابه وكان ذلك في أواخر سنة عشر وسبعمائة وهي أوائل سنة سبع وخمسين من عمري فعكفت على تصنيف هذا الكتاب وانتخاب الصفو واللباب أجيل الفكر فيما وضع الناس في تصانيفهم وأنعم النظر فيما اقترحوه من تآليفهم فألخص مطولها وأحل مشكلها وأقيد مطلقها وأفتح مغلها وأجمع مبددها وأخلص منقدها وأضيف إلى ذلك ما استخرجته القوة المفكرة من لطائف علم البيان المطلع على إعجاز القرآن ومن دقائق علم الإعراب المغرب في الوجوه أي إغراب المقتنص في الأعمار الطويلة من لسان العرب وبيان الأدب فكم حوى من لطيفة فكري مستخرجها ومن غريبة ذهني منتجها تحصلت بالعكوف على علم العربية والنظر في التراكيب النحوية والتصرف في أساليب النظم والنثر والتقلب في أفانين الخطب والشعر لم يهتد إلى إثارتها ذهن ولأصاب بريقها مزن وأني ذلك وهي أزاهر خمائل غفل ومناظر ما لمستغلق أبوابها من قفل في إدراك مثلها تتفاوت الأفهام وتتبارى الأوهام وليس العلم على زمان مقصورًا ولا في أهل زمان محصورًا بل جعله الله حيث شاء من البلاد وبثه في التهائم والنجاد وأبرزه أنوارًا تتوسم وأزهارًا تتنسم وما زال المغربي الأندلسي على بعده من مهبط الوحي النبوي علماء بالعلوم الإسلامية وغيرها كملة وفهماء تلاميذ لهم دراة نقلة يروون فيروون ويسقون فيرتوون وينشدون فينشدون ويهدون فيهدون هذا وإن اختلفوا في مدارك العلوم وتباينوا في المفهوم فكل منهم له مزية لا يجهل قدرها وفضيلة لا يسر بدرها ومما برعوا فيه علم الكتاب انفردوا بإقرائه مد أعصار دون غيرهم من ذوي الآداب أثاروا كنوزه وفكوا رموزه وقربوا قاصيه وراضوا عاصيه وفتحوا مقفله وأوضحوا مشكلة وأنهجوا شعابه وذللوا صعابه وأبدوا معانيه في صورة التمثيل وأبدعوه بالتركيب والتحليل فالكتاب هو المرقاة إلى فهم الكتاب إذ هو المطلع على علم الأعراب والمبدي من معالمه ما درس والمنطق من لسانه ما خرس والمحيي من رفاته ما رمس والراد من نظائره ما طمس فجدير لمن تاقت نفسه إلى علم التفسير وترقت إلى التحقيق فيه والتحرير أن يعتكف على كتاب سيبويه فهو في هذا الفن المعول عليه والمستند في حل المشكلات إليه ولم ألق في هذا الفن من يقارب أهل قطرنا الأندلسي فضلًا عن المماثلة ولا من يناضلهم فيداني في المناضلة وما زلت من لدن ميزت أتلمذ للعلماء وأنحاز للفهماء وأرغب في مجالسهم وأنافس في نفائسهم وأسلك طريقهم وأتبع فريقهم فلا أنتقل إلا من إمام إلى إمام ولا أتوقل إلا ذروة علام فكم صدر أودعت علمه صدري وحبر أفنيت في فوائده حبري وإمام أكثرت به الإمام الإلمام وعلام أطلت معه الاستعلام أشنف المسامع بما تحسد عليه العيون وأذيل في تطلاب ذلك المال المصون وأرتع في رياض وارفة الظلال وأكرع في حياض صافية السلسال وأقتبس بها من أنوارهم وأقتطف من أزهارهم وأبتلج من صحفاتهم وأتأرج من نفحاتهم وألقط من نثارهم وأضبط من فضالة إيثارهم وأقيد من شورادهم وأنتقي من فرائدهم فجعلت العلم والنهار سحيري وبالليل سميري زمان غيري يقصر ساريه على الصبا ويهب للهو ولا كهبوب الصبا ويرفل في مطارف اللهو ويتقمص أردية الزهو وبؤثر مسراتك الأشباح على لذات الأرواح ويقطع نفائس الأوقات في خسائس الشهوات من مطعم شهي ومشرب روي وملبس بهي ومركب خطي ومفرش وطي ومنصب سني وأنا أتوسد أبواب العلماء وأتقصد أماثل الفهماء وأسهر في حنادس الظلام وأصبر على شظف الأيام وأوثر العلم على الأهل والمال والولد وأرتحل من بلد إلى بلد حتى ألقيت بمصر عصا التسيار وقلت ما بعد عبادان من دار هذه مشارق الأرض ومغاربها وبها طوالع شموسها وغواربها بيضة الإسلام ومستقر الأعلام فأقمت بها المعرفة أبديها وعارفة علم أسديها وثأي أرأبه وفاضل أصحبه وبها صنفت تصانيفي وألفت تآليفي ومن بركاتها على تصنيفي لهذا الكتاب المقرب من رب الأرباب.أن يكون نورًا يسعى بين يدي وسترًا من النار يضفو علي فما لمخلوق بتأليفة قصدت ولا غير وجه الله به أردت جعلت كتاب الله والتدبير لمعانية أنيسي إذ هو أفضل مؤانس وسميري إذا أخلو لكتب ظلم الحنادس.منهجه في تأليف هذا الكتاب (وترتيبي في هذا الكتاب) أني أبتدئ أولًا بالكلام على مفردات الآية التي أفسرها لفظة فيما يحتاج إليه من اللغة والأحكام النحوية التي لتلك اللفظة قبل التركيب وإذا كان للكملة معنيان أو معان ذكرت ذلك في أول موضع فيه تلك الكلمة لينظر ما يناسب لها من تلك المعاني في كل موضع تقع فيه فيحمل عليه ثم أشرع في تفسير الآية ذاكرًا سبب نزولها إذا كان لها سبب ونسخها ومناسبتها وارتباطها بما قبلها حاشدًا فيها القراءات شاذها ومستعملها ذاكرًا توجيه ذلك في علم العربية ناقلًا أقاويل السلف الخلف في فهم معانيها متكلمًا على جليها وخفيها بحيث إني لا أغادر منها كلمة وإن اشتهرت حتى أتكلم عليها مبديًا ما فيها من غوامض الإعراب ودقائق الآداب من بديع وبيان مجتهدًا أني لا أكرر الكلام في لفظ سبق ولا في جملة تقدم الكلام عليها ولا في آية فسرت بل أذكر في كثير منها الحوالة على الموضع الذي تلكم فيها على تلك اللفظة أو الجملة أو الآية وإن عرض تكرير فبمزيده فائدة ناقلًا الفقهاء الأربعة وغيرهم في الأحكام الشرعية مما فيه تعلق باللفظ القرآني محيلًا على الدلائل التي في كتب الفقه وكذلك ما نذكره من القواعد النحوية أحيل في تقررها والاستدلال عليها على كتب النحو وربما أذكر الدليل إذا كان الحكم غريبًا أو خلاف مشهور ما قال معظم الناس بادئا بمقتضى الدليل وما دل عليه ظاهر اللفظ مرجحًا له لذلك ما لم يصد عن الظاهر ما يجب إخراجه به عنه منكبًا في الأعراب عن الوجوه التي تنزه القرآن عنها مبينًا أنها مما يجب أن يعدل عنه وأنه ينبغي أن يحمل على أحسن إعراب وأحسن تركيب إذ كلام الله تعالى أفصح الكلام فلا يجوز فيه جميع ما يجوزه النحاة في شعر الشماخ والطرماح وغيرهما من سلوك التقادير البعيدة والتراكيب القلقة والمجازات المعقدة ثم اختتم الكلام في جملة من الآيات التي فسرتها إفرادًا وتركيبًا بما ذكروا فيها من علم البيان والبديع ملخصًا ثم أتبع آخر الآيات بكلام منثور أشرح به مضمون تلك الآيات على ما أختاره من تلك المعاني جملها في أحسن تلخيص وقد ينجر معها ذكر معان لم تتقدم في التفسير وصار ذلك أنموذجًا لمن يريد أن يسلك ذلك فيما بقي من سائر القرآن وستقف على هذا المنهج الذي سلكته إن شاء الله تعالى وربما ألممت بشيء من كلام الصوفية مما فيه بعض مناسبة لمدلول اللفظ وتجنبت كثيرًا من أقاويلهم ومعانيهم التي يحملونها الألفاظ وتركت أقوال الملحدين الباطنية المخرجين الألفاظ القريبة عن مدلولاتها في اللغة إلى هذيان افتروه على الله تعالى وعلى علي كرم الله وجهه وعلى ذريته ويسمونه علم التأويل وقد وقفت على تفسير لبعض رؤوسهم وهو تفسير عجيب يذكر فيه أقاويل السلف مزدريًا عليهم وذاكرًا أنه ما جهل مقالاتهم ثم يفسر هو الآية على شيء لا يكاد يخطر في ذهن عاقل ويزعم أن ذلك هو المراد من هذه الآية وهذه الطائفة لا يلتفت إليها وقد رد أئمة المسلمين عليهم أقاويلهم وذلك مقرر في علم أصول الدين نسأل الله السلامة في عقولنا وأدياننا وأبداننا وكثيرًا ما يشحن المفسرون تفاسيرهم من ذلك الإعراب بعلل النحو ودلائل أصول الفقه ودلائل أصول الدين وكل هذا مقرر في تآليف هذه العلوم وإنما يؤخذ ذلك مسلمًا في علم التفسير دون استدلال عليه وكذلك أيضًا ذكروا ما لا يصح من أسباب نزول وأحاديث في الفضائل وحكايات لا تناسب وتواريخ إسرائيلية ولا ينبغي ذكر هذا في علم التفسير ومن أحاط بمعرفة مدلول الكلمة وأحكامها قبل التركيب وعلم كيفية تركيبها في تلك اللغة وارتقى إلى تمييز حسن تركيبها وقبحه فلن يحتاج في فهم ما تركب من تلك الألفاظ إلى مفهم ولا معلم وإنما تفاوت الناس في إدراك هذا الذي ذكرناه فلذلك اختلفت أفهامهم وتباينت أقوالهم وقد جرينا الكلام يومًا مع بعض من عاصرنا فكان يزعم أن علم التفسير مضطر إلى النقل في فهم معاني تراكبيه بالإسناد إلى مجاهد وطاوس وعكرمة وأضرابهم وأن فهم الآيات متوقف على ذلك والعجب له أنه يرى أقوال هؤلاء كثير ة الاختلاف متباينة الأوصاف متعارضة ينقض بعضها بعضًا ونظير ما ذكره هذا المعاصر أنه لو تعلم أحدنا مثلًا لغة الترك إفرادًا وتركيبًا حتى صار يتكلم بتلك اللغة ويتصرف فيها نثرًا ونظمًا ويعرض ما تعلمه على كلامهم فيجده مطابقًا للغتهم قد شارك فيها فصحاءهم ثم جاءه كتاب بلسان الترك فيحجم عن تدبره وعن فهم ما تضمنه من المعاني حتى يسأل عن ذلك سنقرأ التركي أو سنجرًا ترى مثل هذا يعد من العقلاء وكان هذا المعاصر يزعم أن كل آية نثل فيها التفسير خلف عن سلف بالسند إلى أن وصل ذلك إلى الصحابة ومن كلامه أن الصحابة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسيرها هذا وهم العرب الفصحاء الذين نزل القرآن بلسانهم وقد روي عن علي كرم الله وجهه وقد سئل هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء فقال ما عندنا غير ما في هذه الصحيفة أو فهمًا يؤتاه الرجل في كتابه وقول هذا المعاصر يخالف قول علي رضي الله عنه وعلى قول هذا المعاصر يكون ما استخرجه الناس بعد التابعين من علوم التفسير ومعانيه ودقائقه وإظهارا ما احتوى عليه من علم الفصاحة والبيان والإعجاز لا يكون تفسيرًا حتى ينقل بالسند إلى مجاهد ونحوه وهذا كلام ساقط. .العلوم التي يحتاج إليها المفسر: وإذ قد جر الكلام إلى هذا فلنذكر ما يحتاج إليه علم التفسير من العلوم على الاختصار وننبه على أحسن موضوعات التي في تلك العلوم المحتاج إليها فيه فنقول النظر في تفسير كتاب الله تعالى يكون من وجوه الوجه الأول علم اللغة أسمًا وفعلًا وحرفًا الحروف لقلتها تكلم على معانيها النحاة فيؤخذ ذلك من كتبهم أما الأسماء والأفعال فيؤخذ ذلك من كتب اللغة وأكثر الموضوعات في علم اللغة كتاب ابن سيده فإن الحافظ أبا محمد علي بن أحمد الفارسي ذكر أنه في مائة سفر بدأ فيه بالفك وختم بالذرة ومن الكتب المطولة فيه كتاب الأزهري والموعب لابن التياني والصحاح للجوهري والبارع لأبي على لقالي ومجمع البحرين للصاغاني وقد حفظت في صغرى في علم اللغة كتاب الفصيح لأبي العباس أحمد بن يحيى الشيباني واللغات المحتوي عليها دواوين مشاهير العرب الستة امرئ القيس والنابغة وعلقمة وزهير وطرفة وعنترة وديوان الأفوه الأودي لحفظي عن ظهر قلب لهذه الدواوين وحفظت كثيرًا من اللغات المحتوي عليها نحو الثلث من كتاب الحماسة واللغات التي تضمنها قصائد مختارة من شعر حبيب بن أوس لحفظي ذلك ومن الموضوعات في الأفعال كتاب ابن القوطية وكتاب ابن طريف وكتاب السرقنطي المنبوز بالحمار ومن أجمعها كتاب ابن القطاع الوجه الثاني معرفة الأحكام التي للكلم العربية من جهة إفرادها ومن جهة تركيبها ويؤخذ ذلك من علم النحو وأحسن موضوع فيه وأجله كتاب أبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر سيبويه- رحمه الله تعالى- وأحسن ما وضعه المتأخرون من المختصرات وأجمعه للأحكام كتاب تسهيل الفوائد لأبي عبد الله محمد بن مالك الجياني الطائي مقيم دمشق وأحسن ما وضع في التصريف كتاب الممتع لأبي الحسن علي بن مؤمن بن عصفور الحضرمي الإشبيلي رحمه الله تعالى وقد أخذت هذا الفن عن أستاذنا الأوحد العلامة أبي جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي في كتاب سيبويه وغيره الوجه الثالث كون اللفظ أو التركيب أحسن وأفصح ويؤخذ ذلك من علم البيان والبديع وقد صنف الناس في ذلك تصانيف كثيرة وأجمعها ما جمعه شيخنا الأديب الصالح أبو عبد الله محمد بن سليمان النقيب وذلك في مجلدين قدمهما أمام كتابه في التفسير وما وضعه شيخنا الأديب الحافظ المتبحر أبو الحسن حازم بن محمد بن حازم الأندلسي الأنصاري القرطاجني مقيم تونس المسمى منهاج البلغاء وسراج الأدباء وقد أخذت جملة من هذا الفن عن أستاذنا أبي جعفر بن الزبير رحمه الله تعالى الوجه الرابع تعيين مبهم وتبيين مجمل وسبب نزول ونسخ ويؤخذ ذلك من النقل الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك من علم الحديث وقد تضمنت الكتب والأمهات التي سمعناها ورويناه ذلك كالصحيحين والجامع للترمذي وسنن أبي داود وسنن النسائي وسنن ابن ماجة وسنن الشافعي ومسند الدارمي ومسند الطيالسي ومسند الشافعي وسن الدارقطني ومعجم الطبراني الكبير والمعجم الصغير له ومستخرج أبي نعيم على مسلم وغير ذلك الوجه الخامس معرفة الإجمال والتبيين والعموم والخصوص والإطلاق والتقييد ودلالة الأمر والنهي وما أشبه هذا ويختص أكثر هذا الوجه بجزء الأحكام من القرآن ويؤخذ هنا من أصول الفقه ومعظمه هو في الحقيقة راجع لعلم اللغة إذ هو شيء يتكلم فيه على أوضاع العرب ولكن تكلم فيه غير اللغويين أو النحويين ومزجوه بأشياء من حجج العقول ومن أجمع ما في هذا الفن كتاب المحصول لأبي عبد الله محمد بن عمر الرازي وقد بحثت في هذا الفن في كتاب الإشارة لأبي الوليد الباجي على الشيخ الأصولي الأديب أبي الحسن فضل بن إبراهيم المعافري الإمام بجامع غرناطة والخطيب به وعلى الأستاذ العلامة أبي جعفر بن الزبير في كتاب الإشارة وفي شرحها له وذلك بالأندلسي وبحثت أيضًا في هذا الفن على الشيخ علم الدين عبد الكريم بن علي بن عمر الأنصاري المعروف بابن بنت العراقي في مختصره الذي اختصره من كتاب المحصول وعلى الشيخ علاء الدين علي بن محمد بن عبد الرحمن بن خطاب الباجي في مختصره الذي اختصره من كتاب محصول وعلى الشيخ شمس الدين محمد بن محمود الأصبهاني صاحب شرح المحصول بحثت عليه في كتاب القواعد من تأليفه رحمه الله تعالى الوجه السادس الكلام فيما يجوز على الله تعالى وما يجب له وما يستحيل عليه والنظر في النبوة ويختص هذا الوجه بالآيات التي تضمنت النظر في الباري تعالى وفي الأنبياء وإعجاز القرآن ويؤخذ هذا من علم الكلام وقد صنف علماء الإسلام من سائر الطوائف في هذا كتبًا كثيرة وهو علم إذ المزلة فيه والعياذ بالله مفض إلى الخسران في الدنيا والآخرة وقد سمعت منه مسائل تبحث على الشيخ شمس الدسن الأصفهاني وغيره الوجه السابع اختلاف الألفاظ بزيادة أو نقص أو تغيير حركة أو إتيان بلفظ بدل لفظ وذلك بتواتر وآحاد ويؤخذ هذا الوجه من علم القرآن وقد صنف علماؤنا في ذلك كتبًا لا تكاد تحصى وأحسن الموضوعات في القراءات السبع كتاب الإقناع لأبي جعفر بن الباذش وفي القراءات العشر كتاب المصباح لأبي الكرم الشهرزوري وقد قرأت القرآن بقراءة السبعة بجزيرة الأندلس على الخطيب أبي جعفر أحمد بن علي بن محمد الرعيني عرف بابن الطباع بغرناطة وعلى الخطيب أبي محمد وعبد الحق بن علي بن عبد الله الأنصاري الوادي تشبتي بمطحشارش من حضرة غرناطة وعلى غيرها بالأندلس وقرأت القرآن بالقراءات الثمان بثغر الإسكندرية على الشيخ الصالح رشيد الدين أبي محمد عبد النصير بن علي بن يحيى الهمداني عرف بابن المربوطي وقرأت القرآن بالقراءات السبع بمصر حرسها الله تعالى الشيخ المسند العدل فخر الدين أبي الطاهر إسماعيل بن هبة الله بن علي المليجي وأنشأت في هذا العلم كتاب عقد اللآليء قصيدًا في عروض قصيد الشاطبي ورويه يشتمل على ألف بيت وأربعة وأربعين بيتًا صرحت فيها بأسامي القراء من غير رمز ولا لغز ولا حوشي لغة وأنشأته من كتب تسعة كما قلت:فهذه سبعة وجوه لا ينبغي أن يقدم على تفسير كتاب الله إلا من أحاط بجملة غالبها من كل وجه منها ومع ذلك فاعلم أنه لا يرتقي من علم التفسير ذروته ولا يمتطي منه صهوته إلا من كان متبحرًا في علم اللسان مترقيًا منه إلى رتبة الإحسان قد جبل طبعه على إنشاء النثر والنظم دون اكتساب وإبداء ما اخترعته فكرته السليمة في أبدع صورة وأجمل جلبات واستفرغ في ذلك زمانه النفيس وهجر الأهل والولد والأنيس ذلك الذي له في رياضه أصفى مرتع وفي حياضه أصفى مكرع يتنسم عرف أزاهر طال ما حجبتها الكمام ويترشف كؤوس رحيق له المسلك ختام ويستوضح أنوار بدور سترتها كثائف الغمام ويستفتح أبواب مواهب الملك العلام يدرك إعجازك القرآن بالوجدان لا يالتقليد وينفتح له ما استغلق إذ بيده الإقليد وأما من اقتصر على غير هذا من العلوم أو قصر في إنشاء المنثور والمنظوم فإنه بمعزل عن فهم غوامض الكتاب وعن إدراك لطائف ما تضمنه من العجب العجاب وحظه من علم التفسير إنما هو نقل أسطار وتكرار محفوظ على مر الأعصار ولبتاين أهل الإسلام في إدراك فصاحة وتوقل في معارف الآداب وقوانينها أدرك بالوجدان أن القرآن أتى في غاية من الفصاحة لا يوصل إليها ونهاية من البلاغة لا يمكن أن يحام عليها فمارضته عنده غير ممكنة للبشر ولا داخلة تحت القدر ومن لم يدرك هذا المدرك ولا سلك هذا المسلك رأى أنه من نمط كلام العرب وإن مثله مقدور لمنشئ الخطب فإعجازه عنده إنما هو بصرف الله تعالى إياهم عن معارضته ومناضلته وإن كانوا قادرين على مماثلته والقائلون بأن الإعجاز وقع بالصرف هم من نقصان الفطرة الإنسانية في رتبة بعض النساء حين رأت زوجها يطأ جارية فعاتبته فأخبر أنه ما وطئها فقالت له إن كنت صادقًا فاقرأ شيئًا من القرآن فأنشدها بيت شعر قاله ذكر الله فيه ورسوله فصدقته فلم تزرق من الرزق ما تفرق به بين كلام الخلق وكلام الحق وحكى لنا أستاذنا العلامة أبو جعفر- رحمه الله تعالى- عن بعض من كان له معرفة بالعلوم القديمة ومعرفة بكثير من العلوم الإسلامية أنه كان يقول له يا أبا جعفر لا أدرك فرقًا بين القرآن وبين غيره من الكلام فهذا الرجل وأمثاله من علماء المسلمين يكون من الطائفة الذين يقولون بأن الإعجاز وقع بالصرفة وكان بعض شيوخنا من له تحقق بالمعقول وتصرف في كثير من المنقول إذا أراد أن يكتب فقرأ فصيحة أتى لبعض تلامذته وكلفة أن ينشئها له وكان بعض شيوخنا ممن له التبحر في علم لغة العرب إذا أسقط من بيت الشعر كلمة أو ربع البيت وكان المعين بدون ما أسقط لا يدرك ما أسقط من ذلك وأين هذا في الإدراك من آخر إذا حركت له مسكنًا أو سكنت له محركًا في بيت أدرك ذلك بالطبع وقال إن هذا البيت مكسور ويدرك ذلك في أشعار العرب الفصحاء إذا كان فيه زحاف ما وإن كان جائزًا في كلام العرب لكن يجد مثل هذا طبعه ينبو عنه ويقلق لسماعه هذا وإن كان لا يفهم معنى البيت لكونه حوشء اللغات أو منطويا على حوشي فهذه كلها من مواهب الله تعالى لا تؤخذ باكتساب لكن الاكتساب يقويها وليس العرب متساوين في الفصاحة ولا في إدراك المعاني ولا في نظم الشعر بل فيهم من يكسر الوزن ومن لا ينظم ولا بيتًا واحدًا ومن هو مقل من النظم وطباعهم كطباع سائر الأمم في ذلك حتى فحول شعرائهم يتفاوتون في الفصاحة وينفتح الشاعر منهم القصيدة حولًا حتى يسمى قصائد الحوليات فهم مختلفون في ذلك وكذلك كان بعض الكفار حين سمع القرآن أدرك إعجازه للوقت فوفق وأسلم وآخر أدرك إعجازه فكفر ولج في عناده: {بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده} [البقرة: 90] فنسبه تارة إلى الشعر وتارة إلى الكهانة والسحر وآخر لم يدرك إعجاز القرى ن كتلك المرأة العربية التي قدمنا ذكرها وكحال أكثر الناس فإنهم لا يدركون إعجاز القرآن من جهة الفصاحة ممن أدرك إعجازه فوق وأسلم بأول سماع سمعه أبو ذر إعجازه وكفر عنادًا عتبة بن ربيعة وكان من عقلاء الكفار حتى كان يتوهم أمية بن الصلت أنه هو يعني عتبة يكون النبي المنبعث في قريش فلما بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم حسده عتبة وأضرابه مع علمهم بصدقة وأن ما جاء به معجز وكذلك الوليد بن المغيرة روى عنه أنه قال لبني مخزوم والله لقد سمعت من محمد آنفًا كلامًا ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وإنه يعلو وما يعلى ومع هذا الاعتراف غلب عليه الحسد والأشر حتى قال ما حكى الله عنه: {إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر} [المدثر: 25] وممن لم يدرك إعجازه أو أدرك وعاند وعارض مسيلمة الكذاب أتى بكلمات زعم أنها أوحيت إليه انتهت في الفهاهة والعي والغثاثة بحيث صارت هزأة للسامع وكذلك أبو الطيب المتنبي وقد ذكر القاضي أبو بكر محمد بن أبي الطيب الباقلاني في كتاب الانتصار في إعجاز القرآن شيئًا من كلام أبي الطيب مما هو كفر وذكر لنا قاضي القضاة أبو الفتح محمد بن علي بن وهب القشيري أن أبا الطيب أدعى النبوة واتبعه ناس من عبس وكلب وأنه اختلق شيئًا ادعى أنه أوحي إليه به سورًا سماها العبر وإن شعره لا يناسبها لجودة أكثرة ورداءتها كلها أو كلاما هذا معناه وإنما أتينا بهذه الجملة من الكلام ليعلم أن أذهان الناس مختلفة في الإدراك على ما شاء الله تعالى وأعطى كل أحد (ولنبين)
|